2020/08/09

الأثر الناقل للإستئناف

 

الأثر الناقل للإستئناف

 

 إعداد / د.. محمد علام

المُقدمة..

يعد الإستئناف طريق طعن عادي ، يتصدى فيه القاضي لكل النزاع من جديد و يبحث كافة الأدلة والدفوع التي قدمت أمام المحكمة الإبتدائية ؛ حيث يكون له كل سلطات قاضي المحكمة الإبتدائية

إن إنشاء محاكم الإستئناف في التنظيم القضائي المصري يعتبر تطبيقاً  لمبدأ التقاضي على درجتين .

و يعتبر من أهم آثار الإستئناف ، أثره في نقل الخصومة ، فينتقل موضوع النزاع بكل ما أشتمل عليه أمام المحكمة الإبتدائية من دفوع و أوجه دفاع وطلبات إلى محكمة الدرجة الثانية .

 

ولكن ماذا عن حدود هذا الإنتقال وضوابطه ؟

و هل النصوص التشريعية مطبقة على أرض الواقع ؟

إجابة هذه الأسئلة نجملها في مطلبين ...

 

المطلب الأول : قيود الأثر الناقل للإستئناف

ويتعرض إلى  ثلاث إشكاليات  ..

 

الإشكالية الأولى: الإستئناف لا ينقل إلا ما فصلت فيه المحكمة الإبتدائية

الإشكالية الثانية: لا ينقل إلا ما رفع عنه الإستئناف

الإشكالية الثالثة : نسبية الطعن

 

المطلب الثاني : حدود الأثر الناقل للإستئناف

و يتعرض إلى إشكاليتين ..

 

الإشكالية الأولى: تقديم أدلة جديدة

الإشكالية الثانية : تقديم الطلبات الجديدة

 

 

 

 

المطلب الأول : قيود الأثر الناقل للإستئناف

 

الإشكالية الأولى: الإستئناف لا ينقل إلا ما فصلت فيه المحكمة الإبتدائية

 

نصت (م232 ) على أن الإستئناف ينقل الدعوى بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم . وبالتالي فإن محكمة الإستئناف لا تتصدى لطعن إلا إذا أستنفدت محكمة الإبتدائية ولايتها عليه .

وهو أمر طبيعي تفرضة مقتضيات مبدأ التقاضي على درجتين  ، لذلك قضت محمكة النقض أنه متى كانت المحكمة الإبتدائية قد قبلت بعدم قبول الدعوى فإنها لا تكون قد استنفدت ولايتها في نظر موضوع الدعوى فإذا استؤنف الحكم وقضت محكمة الإستئناف بإلغاء هذا الحكم و برفض الدفع  فإنه يتعين عليها أن تعيد الدعوى  إلى محكمة أول درجة لتنظر موضوعها لأن هذه المحكمة لم تقل كلمتها فيه.(1)

وإذا أغفلت المحكمة الإبتدائية الفصل في بعض الطلبات فلا يجوز طرح هذه الطلبات أمام محكمة الاستئناف سواء عن طريق إستئناف مستقل أو مع إستئناف الحكم الصادر في الطلبات الاخرى ، وإنما يجب العودة للمحكمة الاولى للفصل في تلك الطلبات (2)

من المقرر في قضاء محكمة النقض أنه لا يطرح على محكمة الاستئناف من الطلبات الموضوعية التى سبق إبداؤها أمام المحكمة الإبتدائية إلا ما فصلت فيه هذه المحكمة (3)

التساؤل هنا هل فصل المحكمة الإبتدائية في الطلب الاصلي دون الاحتياطي يُمكّن محكمة الاستئناف من نظر الطلبين؟

ردت على هذا التساؤل المادة 234 بنصها على انه يجب على محكمة الاستئناف إذا ألغت الحكم في الطلب الاصلي إعادة القضية للمحكمة الإبتدائية لتفصل في الطلبات الإحتياطية ، ويعد هذا محض تطبيق لمبدأ التقاضي على درجتين أحد حصانات التقاضي ومميزاته.

ويعد إخلال محكمة الاستئناف بهذا المبدأ مبطلا لحكمها و لو لم يتمسك الطاعن بإعادة القضية إلي محكمة اول درجة لتعلق هذا المبدأ بالنظام العام .

فمقتضى الأثر الناقل نقل الطلبات التى فصلت فيها محكمة اول درجة وما أقيمت عليه تلك الطلبات من اسباب سواء تعرض لها  ام لا وذلك طالما أن مبديها لم يتنازل عن التمسك بها صراحة أو ضمنا .

 

الإشكالية الثانية : لا ينقل إلا ما رفع عنه الإستئناف

 

نصت م 232 على إن كان الاستئناف ينقل الدعوى بحالتها قبل صدور الحكم   إلا أن ذلك محدد بإطار الجزء الذي رفع عنه الإستئناف فقط فليس لمحكمة الإستئناف أن تتعرض للفصل في أمر غير مطروح عليها ولم يطلبة الخصوم .

هذا النص يثير التساؤل حول مصير الحكم المنطوي على شقين ورفع عن واحد منهما الإستئناف؟

هل تتصدى محكمة الإستئناف للموضوع بمناسبة نظرها للشق المستعجل؟

أستقرت أحكام محكمة النقض على ..أنه إذا كان الحكم قد تضمن قضاءً مختلطاً لصالح وضد المستأنف ولم يستأنفه خصمه أصبح ما قضى به لصالح المستأنف نهائياً لا يجوز التعرض له ، وذلك إعمالاً للقاعدة التى تقضى بأن الحق في الطعن لا ينشأ إلا بالنسبة لما صدر ضد الطاعن ، فلا يطرح الاستئناف الأجزاء الأخرى ولو تعلقت بالنظام العام لأنه لا يجوز أن يضار الطاعن بطعنه وهى قاعدة أصلية من قواعد التقاضى تستهدف ألا يكون من شأن رفع الطعن تسويئ مركز الطاعن .(4)

أما عن إستئناف الشق المستعجل دون الموضوعي ، فإن محكمة الإستئناف يغل يدها عن الشق الموضوعي ؛ ملتزمة بما أستنفدت فيه المحكمة الإبتدائية ولايتها . حيث تصديها للموضوع فيه نسف لمبدأ التقاضي على درجتين ، وتفويت لحق الخصوم في بحث الموضوع مرتين.

 

 

(1)الأستاذ الدكتور أحمد السيد صاوي ؛ الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية ، طبعة 2010 بدون دار نشر؛ صفحة رقم 1003         

 (2) الأستاذ الدكتور أحمد هندي ؛ قانون المرافعات المدنية والتجارية ، طبعة 2009 ، دار الجامعة الجديدة ؛ ص596

(3) موقع محكمة النقض ؛ الطعن رقم 374/62 ق الصادر في 28/3/2005

(4) الإشارة السابقة  الطعن رقم 8189 لسنة 81ق الصادر بجلسة 4/11/2018

 

هذا مع الأخذ في الإعتبار ما نصت عليه م229 من أن استئناف الحكم المنهى للخصومة يستتبع حتما استئناف جميع الاحكام التي سبق صدورها في القضية ما لم تكن قد قبلت صراحة . (5)

و يتحدد نطاق الاستئناف وفقاً لنص المادة ٢٣٢ من قانون المرافعات يتحدد بما يطلب المستأنف إلغاءه من قضاء الحكم المستأنف فيخرج من هذا النطاق ما يقبله المستأنف من قضاء الحكم المستأنف إما صراحة بطلب تأييد الحكم فيه وإما ضمناً بترك إدراجه ضمن طلبات الإلغاء وهو ما لا يجوز معه لمحكمة الاستئناف أن تتعرض للفصل فيه باعتباره أمراً غير مطروح عليها (6)

فاذا طلب المستأنف إلغاء الحكم الابتدائي ورفض دعوى التعويض فأنه لا يجوز لمحكمة الاستئناف الحكم بانقاص التعويض فيعتبر ذلك مصادرة على المطلوب (7)

 

الإستثناءات الواردة على القاعدة (8)

 

1- الأحكام الصادرة قبل الحكم المنهى للخصومة تعتبر بقوة القانون مستأنفة بإستئناف الحكم المنهى للخصومة م(229/1) ايا كانت سواء كانت قطعية ام غير قطعية متعلقة بالاجراءات ام بالموضوع

سواء صدرت للمستانف او ضده وبالتالى لا يلزم الاشارة إليها في صحيفة الإستئناف وهذا مرهون بإحترام مواعيد الإستئناف .

 

2- إستئناف الطلب الاحتياطي يستتبع إستئناف الطلب الأصلي والعكس غير صحيح  وذلك بشرط وحدة الخصوم فإذا كان المحكوم له في الطلب الأصلي غير مختصم في إستئناف الحكم الصادر في الطلب الإحتياطي فيجب اختصامه فيه ولو كان ذلك بعد فوات الميعاد  وذلك طبقاً للمادة229/2.    

 

الإشكالية الثالثة : نسبية أثر الطعن

 

إذا تعدد الخصوم فلكل منهم حق الإستئناف ولكن لا يستفيد منه إلا من رفعه ولا يحتج به إلا على من رفع ضده ، ولا يحق لمن فوت ميعاد إستئنافة ان ينضم للمستانف أو يفيد من الحكم الصادر لصالحه، ويستسنى من ذلك ما خرج به المشرع في نص م 218 من إستثناءات وهى ..

(1) الدعوى التي يوجب فيها القانون إختصام اشخاص معينين مثل دعوى الشفعة

(2) دعاوى الإلزام إذا كان محل الإلزام غير قابل للتجزئة

(3) حالة التضامن بين المدينين دون التضامن بين الدائنين

(4) يستفيد الضامن وطالب الضمان من الطعن المرفوع من أيهما في الحكم الصادر في الدعوى الاصلية إذا أتحد دفاعهما فيها وإذا رفع طعن على أيهما جاز إخنصام الأخر فيه .

ولكن لابد ان نعلم أن المنضم بعد الميعاد ليس له أن يطلب لنفسه طلبات مستقلة و مغايرة لطلبات الطاعن في الميعاد أو تزيد عليه

 

 

(4) موقع محكمة النقض ، الطعن رقم 8189 لسنة 81ق الصادر بجلسة 4/11/2018

(5) أ.د /أحمد هندي  ، المرجع السابق ؛ ص 597

(6) موقع محكمة النقض ، الطعن رقم 13059 لسنة 80 ق الصادر بجلسة 24/2/2018

(7) أ.د/ أحمد  صاوي ، المرجع السابق ؛  ص1014

(8) الإشارة السابقة ؛ ص 1015

كما نصت م 236 على عدم جواز ادخال من لم يكن في خصومة الدرجة الاولى في خصومة الإستئناف ولا يجوز إختصام من لم يكن طرفا في الدعوى .

والعلة من ذلك هي أنه في اختصام الغير حرمانه من احدى درجات التقاضي و لا يجوز ولكن اذا لم يصطدم الإدخال او التدخل بهذا المبدأ كان جائزا مثل إدخال شخص فى الاستئناف لإلزامه يتقديم دليل تحت يده ، و كذلك تذخل الغير في الإستئناف تدخل إنضمامي لاحد طرفي الخصومة الإستئنافية م236/2 (9)

 

 

المطلب الثاني : حدود الأثر الناقل للإستئناف

 

الإشكالية الأولى : تقديم أدلة جديدة

المقرر في قضاء محكمة النقض أنه يجوز للخصوم أن يتقدموا لمحكمة الدرجة الثانية بأدلة ودفوع وأوجه دفاع جديدة لم يسبق لهم إبداؤها أمام محكمة الدرجة الأولى وكانت وسائل الدفاع الجديدة تتميز عن الطلبات الجديدة بأنها لا تغير من موضوع النزاع بل تعنى الحجج التى يستند إليها الخصم في تأييد ما يدعيه دون أن يغير من مطلوبه . (10)

يتمتع الخصوم امام محكمة الاستئناف بجميع السلطات التي كانت لهم امام محكمة اول درجة فلهم أبداء ما يشاءوا من دفوع و اوجه دفاع ولو لأول مرة طالما لم يسقط الحق فيها. وهذا غير ممنوع لأن هذه الامور تقدم لصالح أو ضد طلبات سبق طرحها على أول درجة وصدر حكم فيها مطعون عليه بالاستئناف.(11)

وللمحكمة كامل سلطات بحث وتدقيق كافة الادلة التي قدمت لمحكمة اول درجة ، وللخصوم الحق في المرافعة الشفوية لتاييد وجهة نظرهم ودفوعهم.

 

الإشكالية الثانية : تقديم الطلبات الجديدة

 

نص المشرع في م 235 على عدم جواز تقديم طلبات جديدة أمام محكمة الاستئناف ، وذلك لعدم الاخلال بمبدأ التقاضي على درجتين الذي قرره المشرع لحماية الخصوم و مصالحهم و أعتبره من النظام العام .

 فالخصومة الاستئنافية ذات طابع قاصر، تقتصر على المسائل التي صدر فيها حكم أول درجة وأستنفدت به محكمة أول درجة ولايتها . (12)

حيث الطلب الجديد تنقصة سبق خصومة أول درجة بالنسبة له و بالتالى فإن تخطي محكمة أول درجة يعني مخالفة لقواعد الاختصاص النوعي ، وأيضا يتنافى مع فكرة الطعن ، إذ من غير المتصور أن نحاسب قاضي على أمر لم يطرح عليه ولم يبدى فيه رأى. (13)

 

 

(9) أ.د/ أحمد صاوي ؛ المرجع السابق ، ص 1006

(10)  موقع محكمة النقض ، الطعن رقم 7240 لسنة 65 ق الصادر بجلسة 20/6/2007

(11)  الأستاذ الدكتور نبيل إسماعيل عمر ، الوسيط في قانون المرافعات المدنية والتجارية ؛ طبعة 2008 ؛ دار الجامعة الجديدة ، صفحة رقم 692        

(12)  الأشارة السابقة

(13) أ.د/ أحمد هندي ، المرجع السابق ،ص 603

 

 و في النهاية فإن في الطلب الجديد مباغته للخصم و هو أمر غير مقبول.

هذه القاعدة من النظام العام لا يجوز للخصوم الاتفاق على مخالفتها ويحكم القاضي فيها من تلقاء نفسه ،  ولكن يجب أن نلاحظ أن مجرد تضمين صحيفة الإستئناف طلبا جديدا لا يؤدي إلى الحكم بعدم قبول الاستئناف متى كان هناك شق اخر مما طلب لا يعتبر طلبا جديدا .

والسؤال الذي يثور هو معنى الطلب الجديد؟

يعتبر الطلب جديدا متى اختلف عن الطلب الذي فصلت فيه محكمة الدرجة الاولى من حيث وحدة الخصوم أو وحدة الموضوع او السبب ، ولا تخل مجرد المغايرة بالتطابق طالما لم تمس جوهر الطلبين. (14)

ويستثنى من تلك القاعدة .. (15)

1-تغير السبب والإضافة إليه

    نص المشرع في م 235/3 على جواز تغيير سبب الطلب أو الإضافة إليه شريطة إبقاء موضوع الطلب على حاله .

وعلة ذلك أن المشرع أراد تلافي اللبس وصعوبة التمييز الحاصل في ظل قانون المرافعات القديم بين سبب الدعوى – والذي طبقا للقاعدة العامة لا يجوز تعديله- وبين وسائل الدفاع التي يجوز تعديلها والإضافة إليها .

و قررت محكمة النقض إذا استند المؤجر أمام محكمة اول درجة إلى سبب من اسباب الاخلاء المنصوص عليها فقضي برفض دعواه فإنه ليس ثمة ما يمنعه عند استئنافة الحكم  من ان يضيف الى هذا السبب ما يراه من الاسباب الاخرى المنصوص عليها طالما أن طلبه الاصلي –اخلاء العين المؤجرة – باقي على حالة . (16)

2- طلب الملحقات

فيجوز طلب كل ماهو تابع للطلب الأصلي أمام محكمة الإستئناف مثل الأجور و إستحقاق الفوائد ، فليس في ذلك مايعتبر جديد طالما أن الطلب الأصلي قُدم أمام المحكمة الإبتدائية ؛ و القول بغير ذلك ينافي مبدأ الإقتصاد في الإجراءات.

3- طلب ما يزيد من التعويضات ، وطلب الحكم بالتعويض عن رفع الإستئناف الكيدي...

        العلة من ذلك أن هناك بعض الأضرار قد تتفاقم بعد رفع الدعوى والطعن بالإستئناف وبالتالى لابد من جبرها طالما أن سبب الزيادة نفسه القائم عليه الطلب الأصلي.

كذلك يمكن طلب التعويض عن رفع الإستئناف الكيدي تطبقا للقواعد العامة في المسئولية ، وتقديره متروك للقاضي . ويقع عبء الإثبات على المستأنف ضده .

 

 

 

 (13)  أ.د/ أحمد هندي ، المرجع السابق ، ص 603

(14) أ.د/ أحمد صاوي ، المرجع السابق ، ص 1007

(15) أ.د/ أحمد هندي ، المرجع السابق ، ص 604

(16)  موقع محكمة النقض ، الطعن رقم 147 لسنة 33 ق الصادر بجلسة 17/1/1967 قاعدة 18 صفحة 116 مكتب فني سنة 18

 

 

 

 

الخاتمة

 

إن القاضي بشر قد يخطأ وقد يصيب ، ومن هنا كانت فكرة تصحيح الخطأ عن طريق الطعن في حكم القاضي ؛ سواء كان الخطأ في فهم القانون أو في تقدير الواقع .

وكانت قاعدة التقاضي على درجتين الحل الأنسب ، والضمانة المثلى للخصوم في مواجهة خطأ القاضي و كذلك تداركهم لما فاتهم من دفوع و أوجهه دفاع .

وقد أحسن المشرع تنظيم هذه الضمانه ، و عمل القضاء على تطبيقها بشكل جيد ، وهذا أتضح من خلال كثرة الأحكام التي تؤكده وتؤكد الضوابط التي نص عليها المشرع .

ليست هناك تعليقات: